عزيزي القارئ،
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد,
شهدت المجتمعات البشرية على مر التاريخ تطورات متلاحقة في مجالات العمل الإنساني المختلفة ومنها العمل الخيري الإسلامي الذي ينبثق من روح سامية ونفس صافية, وتعد فريضة الزكاة التي سنها الشرع الحكيم والصدقات الخيرية من السمات المتوارثة لدى الشعب الكويتي منذ القدم, حيث جبل الأجداد الأوائل على بذلها للفقراء واليتامى والمحتاجين إيمانا منهم بالتكافل الإجتماعي بين أبناء الوطن الواحد, ورعت الدولة هذه الأعمال الخيرية المتأصلة بالمجتمع حيث صدر القانون رقم 5 لسنة 1982م الخاص بإنشاء هيئة حكومية ذات ميزانية مستقلة تحمل اسم (بيت الزكاة) بتاريخ 16 يناير 1982, وكان الهدف الرئيسي من تأسيسه هو تحقيق الترابط في المجتمع ومساعدة الأسر المحتاجة في كل مكان بكل الطرق الممكنة.
ويشتهر الشعب الكويتي بحبهم لفعل الخير وتقديم المساعدات واحسانهم الدائم للمحتاجين, ولديهم الرغبة القوية نحو المساعي الخيرية والزكوات والأوقاف والهبات والصدقات, وهى سمة متأصلة بهم عبر الأجيال المتعاقبة منذ تأسيس المجتمع الكويتي قبل أكثر من ثلاثون قرن. والجدير بالذكر أن بيت الزكاة الكويتي منذ تأسيسه وخلال الأربعين عاما الماضية قد شارك بالعديد من المبادرات العالمية بالتعاون مع مختلف المؤسسات المحلية والدولية, والتي كان لها أكبر الأثر في دفع مسيرة الأعمال الخيرية وتحقيق طموحاتها الرائدة, ولعل الشراكة مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والتي امتدت لأكثر من 20 عاما هي أروع نموذج لما يقدمه بيت الزكاة, حيث تعتبر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي المؤسسة الرائدة في الاستجابة لأزمة النزوح في مختلف أنحاء العالم على أمل أن يخفف الله من معاناتهم.
وبهذه المناسبة يسعدني أن أشارك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إطلاق تقريرها السنوي للعمل الخيري الإسلامي, للإطلاع على أثر الأموال التي تلقتها في عام 2023م من خلال ((صندوق الزكاة)) للاجئين التابع للمفوضية على حياة حوالي مليونين من اللاجئين والنازحين داخليا في ثلاث وعشرين دولة.
ويعتمد اللاجئون و النازحون داخليا في جميع أنحاء العالم اعتمادا كبيرا على المعونة الدولية من أجل بقائهم وحمايتهم, لأن الكثيرين منهم يفتقرون حتى الى أبسط الضروريات مثل الغذاء. ومن خلال هذه الشراكات, ولا سيما حول العمل الخيري الإسلامي لدى المفوضية, تمكن بيت الزكاة الكويتي من دعم أكثر من 70,000 أسرة في مختلف البلدان. ونحن ندعم دور المفوضية التي تقوم بأدوارها الإنسانية ضمن كوكبة من الهيئات والمؤسسات الداعمة لأنشطتها بمختلف البلدان والمناطق, ويشمل ذلك على سبيل المثال من هذه الجهود الرائعة في عام 2023م ما تم توفيره من حماية ومأوى للاجئين الماليين في موريتانيا, وكذلك دعم مبادرات التعليم والرعاية الصحية للاجئين الروهينجا في بنغلاديش, وبناء مدارس للنازحين في اليمن, ودعم المشاريع التي تهدف إلى تلبية احتياجات الأطفال غير المصحوبين بذويهم في جميع أنحاء الشرق الأوسط, وكذلك تقديم بيت الزكاة الكويتي الدعم لبرامج التعليم في أفغانستان وباكستان.
فقد دأب بيت الزكاة منذ نشأته على نشر الوعي بأهمية القضايا الإنسانية من خلال مشاركته الفعالة في العديد من الندوات والمؤتمرات خلال باقة من العلماء ورجال الدين, كما قام بطباعة ونشر ما تمخض عنها من المستجدات من الفتاوى والتوصيات حول فريضة الزكاة في ديسمبر 2023, كما شارك بيت الزكاة بالنشاط الخاص بالمنتدى العالمي للاجئين الذي عقدته المفوضية في جنيف من خلال الحوار والنقاش في الندوات التي أقيمت على هامش المنتدى وعرض تجاربه الملهمة على الجميع لما لأثر الزكاة الدور الحاسم في مواجهة تحديات اللاجئين.
ومن خلال تسمية بيت الزكاة الكويتي كرائد للعطاء لدى المفوضية يسعدني أن أشارك المفوضية في هذا التقرير السنوي للعمل الخيري الإسلامي عام 2024م.
وأود أن أشكر المفوضية على مبادرتها وعلى إدراج بيت الزكاة الكويتي كأحد شركائها البارزين في هذه الطبعة الجديدة من التقرير على ان تكون مساهمتنا داعما لمثل هذه الأعمال التي تخدم الإنسانية وتبرز المكانة التي تحظى بها دولة الكويت كمركز للعمل الإنساني.
ونحن نثمن جميع هذه الجهود المثمرة ونأمل زيادة تعزيز شراكتنا خلال السنوات المقبلة لما فيها من مردود إيجابي لصالح اللاجئين والنازحين وغيرهم ممن تعرضوا للاضطهاد والتهجير.
ختاما نسأل عز وجل أن يكتب لنا جميعا التوفيق والسداد عبر هذه الأعمال والأنشطة المميزة في خدمة البشرية في كافة أنحاء العالم شاكرا جهود كل العاملين في هذا الحقل الإنساني.
د. ماجد العازمي
مدير عام بيت الزكاة الكويتي ورائد العمل الخيري الإسلامي لدى المفوضية
دولة الكويت