قصة منال وأولادها، أم سورية لجأت إلى لبنان منذ أكثر من 6 سنوات

قصة صمود وألم وأمل…

نزحت منال من ريف إدلب، وهي تعيش الآن مع أولادها في منطقة سهل البقاع اللبنانية المحاذية للحدود مع بلدها سوريا، في مأوىً متواضع من الخشب والصفيح، بالإضافة إلى القماش المشمّع الذي تقدمه مفوضية اللاجئين . بدأ الحديث معها بابتسامة، وسرعان ما تحول إلى دموع “إجينا على لبنان لأن الطيارات كانت كل يوم تضرب حد بيتنا”. قلنا لها دموعك غاليةٌ علينا…فكفكفت دموعها وتابعت “بياع الخبر يجي الحين، آخد منو خبز من الشهر للشهر، أحاسبه من الـ 260”. يطلق اللاجئون السوريون في لبنان اسم 260 على المساعدات النقدية الشهرية التي تقدمها للعائلات الأكثر عوزاً، وهي عبارة عن 260 ألف ليرة لبنانية شهرياً.

“أوزع على بياع الخبز وبياع الخضرة وأجار الأرض والكهرباء”، إذ بالكاد تعينها هذه المساعدة على تغطية تكاليف الحياة اليومية الأساسية التي تواصل ارتفاعها في لبنان نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وقيمة العملة المحلية. “وبالشتوية مرة أخدتها”، مشيرةً إلى المساعدة النقدية الإضافية التي استلمتها قبيل حلول فصل الشتاء لإعانتها على شراء ما يلزمها هي وأولادها لدرء البرد القارس عن أجسادهم الغضة.

وعلى الرغم من ضيق الحال، قامت منال بتخصيص بعض المال لصالح المواصلات التي تؤمن ذهاب أولادها الذين هم في عمر الدراسة إلى الدوام المسائي الذي خصصته المدارس الحكومية في لبنان لصالح أطفال اللاجئين السوريين. عندما سألنا الأولاد عن المدرسة، قالوا بأنهم يستمتعون بالذهاب إليها، وباللعب مع أصدقائهم، ويتطلعون إلى مستقبل مشرق: “مهندس، راعي غنم، دكتورة، خياطة، صيدلانية”. لا بد لك أن تدرك في لحظةٍ كهذه مدى التنوع الفكري الذي يكتنف هذه العائلة المتعففة.

اغرورقت عينا منال بالدموع مرة أخرى، وطلبت من ابنتها سلام أن ترينا آثار الحرق الذي أصاب ذراعها نتيجة حادثة انسكاب ماء ساخن منذ فترةٍ غير بعيدة. لا تستطيع سلام من مد ذراعها بشكلٍ كامل نتيجة هذه الحادثة، وهي بحاجة إلى عملية تجميلية لا تقل تكلفتها عن مليون ومئتا ليرة لبنانية. تتحسر الأم على حال ابنتها، التي تبكي بدورها لدى رؤية الدموع في عيني أمها. كم جميلةٌ هي هذه الرابطة التي تجمع أي أم بابنتها، رابطة متينة لا تكسرها أقسى سيوف الزمن…

“يعطيكن ألف العافية، لولاكن هل عِيَل مني وغيري كانو تدمروا بهل بلاد…انتهوا هني وولادهن”، لا تتلقى منال وعائلتها أي أموال زكاة سوى من المفوضية. عندما سألناها عما إذا كانت تتلقى مساعدات اخرى خلال الشهر الفضيل، قالت أن هناك شخصان ممن أعطوها مبلغاً صغيراً من المال خلال شهر رمضان الفائت، “وبالعيد ما بيجينا شي”. ترينا منال البطاقة المصرفية الحمراء التي أمنتها لها المفوضية لتسهيل استلامها للمساعدات النقدية المخصصة لها بشكل شهري.

تودعنا منال وأولادها يتجمعون حولها، بابتسامةٍ عريضةٍ ارتسمت على ملامح وجهها، ولا ترجو سوى أن تبقى الأحوال على ما هي عليه، فهي تدرك تماماً بأن الاوضاع في لبنان ليست على ما يرام.

لقد قمت بزيارة هذه العائلة في نهاية العام الفائت كجزءٍ من المراجعة السنوية التي يقوم بها فريق المفوضية للعمل الخيري الإسلامي بالتعاون مع مؤسسة طابة للعلوم والأبحاث، وذلك للاطلاع على أحوال بعض المستفيدين والتأكد من التزام عمليات التوزيع بشروط وأحكام فتاوى الزكاة التي تستند إليها المفوضية في حوكمتها لصندوق الزكاة للاجئين.

في آخر ليلةٍ فرديةٍ من الشهر الكريم الذي يشارف على الانتهاء، لا تنسوا اللاجئين في لبنان والأردن وبنغلاديش وموريتانيا، والنازحين داخلياً في اليمن والعراق، وغيرهم ممن ضاق بهم الحال وتقطعت بهم السبل، بجزءٍ من صدقاتكم وزكواتكم وإحسانكم، وتخيلوا للحظة الأثر الذي يحدثه عطاؤكم في حياة أسرة لاجئة ضعيفة كأسرة منال.

وجزاكم الله كل خير… 


مسؤول علاقات القطاع الخاص، العمل الخيري الإسلامي

‎مؤخرة الموقع